بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُه

قال ابن رجب في لطائف المعارف 

وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة و قد اختلف فيها فضعفها الأكثرون و صحح ابن حبان بعضها و خرجه في صحيحه و من أمثلها :

حديث عائشة قال : فقدت النبي صلى الله عليه و سلم فخرجت فإذا هو بالبقيع رافعا رأسه إلى السماء فقال : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك و رسوله فقلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك فقال : إن الله تبارك و تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب . [ خرجه الإمام أحمد و الترمذي الإمام أحمد ابن ماجه و ذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه ]

و خرج ابن ماجه من حديث [ أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ] [ حسنه الألباني في صحيح الجامع ]

قلت ( هاني ) :

في سنن البيهقي وحسنه الألباني في صحيح الجامع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين و يملي للكافرين و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه "

قال ابن رجب : و خرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن أو قاتل نفس " و خرجه ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ مرفوعا

و يروى من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعا : " إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد : هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه فلا يسأل أحد شيئا إلا أعطيه إلا زانية بفرجها أو مشركا " و في الباب أحاديث أخر فيها ضعف

و يروى عن نوف البكالي أنَّ عليا خرج ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج فيها ينظر إلى السماء فقال : إنَّ داود عليه السلام خرج ذات ليلة في مثل هذه الساعة فنظر إلى السماء ، فقال : إن هذه الساعة ما دعى الله أحد إلا أجابه ، و لا استغفره أحد من هذه الليلة إلا غفر له ما لم يكن عشارا ، أو ساحرا ، أو شاعرا ، أو كاهنا ، أو عريفا ، أو شرطيا ، أو جابيا ، أو صاحب كوبة ، أو غرطبة .

[ قال نوف : الكوبة : الطبل ، و الغرطبة : الطنبور ] اللهم رب داود اغفر لمن دعاك في هذه الليلة و لمن استغفرك فيها .

الاختلاف في إحياء ليلتها بين أهل الشام وأهل الحجاز :

قال ابن رجب : و ليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها .

وقد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم وافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء و ابن أبي مليكة و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا : ذلك كله بدعة .

و اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :

أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد كان خالد بن معدان و لقمان بن عامر و غيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم و يتبخرون و يكتحلون و يقومون في المسجد ليلتهم تلك و وافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس ببدعة نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .

و الثاني : أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة و القصص و الدعاء و لا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه و هذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام و فقيههم و عالمهم و هذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى

قلت ( هاني ): وهذا هو الأفضل في هذه المسألة ، فإنها ليلة المغفرة ، فليجتهد العباد فيها ، عسى أن يغفر الله لنا جميعًا .

قال ابن رجب : " فينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى و دعائه بغفران الذنوب و ستر العيوب و تفريج الكروب و أن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب "

وقال : " و يتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة و قبول الدعاء في تلك الليلة قال ابن رجب :

و قد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إلى البصرة عليك بأربع ليال من السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة إفراغا أول ليلة من رجب و ليلة النصف من شعبان و ليلة الفطر و ليلة الأضحى و في صحته عنه نظر .

و قال الشافعي رضي الله عنه : بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال : ليلة الجمعة و العيدين و أول رجب و نصف شعبان .

قال : و أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي و لا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان و يتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعة لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و استحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود و هو من التابعين فكذلك قيام ليلة النصف لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه و سلم و لا عن أصحابه و ثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام .

و روي عن كعب قال : إن الله تعالى يبعث ليلة النصف من شعبان جبريل عليه السلام إلى الجنة فيأمرها أن تتزين و يقول : إن الله تعالى قد اعتق في ليلتك هذه عدد نجوم السماء و عدد أيام الدنيا و لياليها و عدد ورق الشجر وزنة الجبال و عدد الرمال

و روى سعيد بن منصور حدثنا أبو معشر عن أبي حازم و محمد بن قيس عن عطاء بن يسار قال : ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من ليلة النصف من شعبان ينزل الله تبارك و تعالى إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده كلهم إلا لمشرك أو مشاحن او قاطع رحم

فيا من أعتق فيها من النار هنيئا لك المنحة الجسيمة و يا أيها المردود فيها جبر الله مصيبتك هذه فإنها مصيبة عظيمة

و قد روي : أنها : الشرك و قتل النفس و الزنا و هذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله كما في [ حديث ابن مسعود المتفق على صحته أنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم : أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا و هو خلقك قال : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ] فأنزل الله تعالى ذلك : { و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون } الآية

و من الذنوب المانعة من المغفرة أيضا الشحناء و هي حقد المسلم على أخيه بغضا له لهوى نفسه و ذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة و الرحمة كما في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين و الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا ]

و قد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و لا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا .

و عن الأوزاعي أنه قال المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة و كذا .

قال ابن ثوبان : المشاحن هو التارك لسنة النبي صلى الله عليه و سلم الطاعن على أمته السافك دماءهم و هذا الشحناء أعني شحناء البدعة توجب الطعن على جماعة المسلمين و استحلال دمائهم و أموالهم و أعراضهم كبدع الخوارج و الروافض و نحوهم .

فأفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها و أفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء و البدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة و بغضهم و الحقد عليهم و اعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم و تضليلهم ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين و إرادة الخير لهم و نصيحتهم و أن يحب لهم ما يحب لنفسه و قد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون : { ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }

و في المسند [ عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه : ثلاثة أيام يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فيطلع رجل واحد فاستضافه عبد الله بن عمرو فنام عنده ثلاثا لينظر عمله فلم ير له في بيته كبير عمل فأخبره بالحال فقال له هو ما ترى إلا أني أبيت و ليس في قلبي شيء على أحد من المسلمين فقال عبد الله : بهذا بلغ ما بلغ ]

و في سنن ابن ماجه [ عن عبد الله بن عمرو قال : قيل : يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ قال : مخموم القلب صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال : هو التقي النقي الذي لا إثم فيه و لا بغي و لا غل و لا حسد ]

قال بعض السلف : أفضل الأعمال سلامة الصدور و سخاوة النفوس و النصحة للأمة و بهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الإجتهاد في الصوم و الصلاة إخواني اجتنبوا الذنوب التي تحرم العبد مغفرة مولاه الغفار في مواسم الرحمة و التوبة و الإستغفار

أما الشرك : { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظالمين من أنصار } و أما القتل فلو اجتمع أهل السموات و أهل الأرض على قتل رجل مسلم بغير حق لأكبهم الله جميعا في النار .

و أما الزنا فحذار حذار من التعرض لسخط الجبار الخلق كلهم عبيد الله و إماؤه و الله يغار لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته فمن أجل ذلك حرم الفواحش و أمر بغض الأبصار و أما الشحناء فيا من أضمر لأخيه السوء و قصد له الإضرار : { لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}

و قال عطاء بن يسار : إذا كان ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة فيقال : اقبض من في هذه الصحيفة فإن العبد ليغرس الغراس و ينكح الأزواج و يبني البنيان و أن اسمه قد نسخ في الموتى ما ينتظر به ملك الموت إلا أن يؤمر به فيقبضه يا مغرورا بطول الأمل يا مسرورا بسوء العمل كن من الموت على وجل فما تدري متى يهجم الأجل

قال بعض السلف : كم من مستقبل يوما لا يستكمله و من مؤمل غدا لا يدركه إنكم لو رأيتم الأجل و مسيره لأبغضتم الأمل و غروره " أهـ

والله تعالى أعلى و أعلم